شروط التيمم في المذهب المالكي

شروط التيمم عند المالكية

التيمم هو رخصة شرعية أباحها الله تعالى في حال تعذر استعمال الماء للطهارة، وهو بدل عن الوضوء أو الغسل عند فقد الماء أو العجز عن استعماله. وقد أولى فقهاء المالكية اهتمامًا بالغًا ببيان أحكام التيمم، فحددوا شروطه، وأركانه، ومبطلاته، وأحواله، معتمدين في ذلك على النصوص الشرعية من القرآن والسنة، وعلى قواعد الفقه وأصوله. ويأتي هذا المقال لتفصيل شروط التيمم كما قررها فقهاء المالكية بأسلوب علمي موسع يتناسب مع المقاييس العلمية والشرعية الدقيقة.

أولًا: تعريف التيمم لغة واصطلاحًا

لغةً: التيمم في اللغة العربية مأخوذ من قولهم: “تيمم الشيء” إذا قصده، ومنه قوله تعالى:

{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]. أي اقصدوا الصعيد وتطهروا به.

اصطلاحًا عند المالكية: التيمم هو القصد إلى استعمال تراب طاهر في مسح الوجه واليدين، بنيّة استباحة الصلاة أو غيرها من العبادات المشروطة بالطهارة، وذلك عند فقد الماء أو تعذر استعماله.

ثانيًا: الأدلة الشرعية على مشروعية التيمم

1. من القرآن الكريم:
   
   قوله تعالى:
   
   {وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌۭ مِّنكُم مِّنَ ٱلْغَآئِطِ أَوْ لَـٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَآءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًۭا طَيِّبًۭا فَٱمْسَحُوا۟ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ} [النساء: 43].

2. من السنة النبوية:
   
   عن عمّار بن ياسر رضي الله عنه، قال: “أجنبتُ فلم أجد ماء، فتمعكت في الصعيد كما تتمعك الدابة، ثم أتيت النبي ﷺ فذكرت ذلك له، فقال: إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا، وضرب بكفيه الأرض، ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه” [رواه البخاري ومسلم].

ثالثًا: شروط التيمم عند المالكية

يُشترط لصحة التيمم عند المالكية عدة شروط، تنقسم إلى شروط وجوب، وشروط صحة، وشروط جواز، وذلك على النحو التالي:

1. شروط وجوب التيمم (أي متى يجب التيمم):

‌أ. انعدام الماء أو العجز عن استعماله:

ويتحقق هذا الشرط في حالتين:

• فقد الماء حقيقة: بأن لا يجد المكلف ماءً للطهارة بعد طلبه في محل الإقامة أو في السفر.

• فقده حكمًا: بأن يوجد الماء ولكن لا يقدر الشخص على استعماله لمرض يخاف من تفاقمه، أو ضرر بسبب البرد، أو ضعف بدني، أو عدم وجود آلة لاستخراج الماء من بئر مثلًا، أو خشي من تأخر وقت الصلاة لو بحث عن الماء.

‌ب. دخول وقت الصلاة:

لا يجوز التيمم إلا بعد دخول وقت الصلاة، لأن الطهارة بالتيمم لا يُراد بها رفع الحدث، وإنما تُراد بها استباحة الصلاة، وهذا بخلاف الوضوء الذي يصح فعله قبل الوقت.

‌ج. وجود سبب الحدث:

أي أن يكون الإنسان محدثًا حدثًا أصغرًا أو أكبرًا يوجب الطهارة بالماء، فإذا لم يكن محدثًا فلا معنى للتيمم.

2. شروط صحة التيمم:

‌أ. نية التيمم:

النية شرط أساسي في التيمم عند المالكية، وهي أن ينوي الشخص استباحة الصلاة أو الطواف أو غيرها من العبادات المشروطة بالطهارة. ويشترط أن تكون النية مقارنة لضرب اليدين على الصعيد، فلا تصح إن تأخرت.

‌ب. التيمم بصعيد طيب:

ويُشترط أن يكون ما يُتيمم به من جنس الأرض، كالرمل أو التراب أو الحجارة، بشرط أن يكون طاهرًا، غير محترق بالنار، وأن لا يكون مائعًا كالماء، أو ما اختلط به دهن أو نجاسة.

‌ج. ترتيب المسح:

يشترط في التيمم أن يبدأ الشخص بمسح الوجه أولًا، ثم اليدين ثانيًا. فإن عكس الترتيب لم يصح التيمم.

‌د. الموالاة:

أي أن لا يكون هناك فصل طويل بين مسح الوجه ومسح اليدين، إلا إذا كان لعذر، كنسيان أو انقطاع.

‌هـ. إيصال الغبار إلى الجلد:

إذا لم يصل غبار الصعيد إلى موضع المسح، فلا يصح التيمم، لأن القصد هو التطهر بالغبار المشروع.

3. شروط جواز التيمم (أي الحالات التي يُباح فيها التيمم):

‌أ. الخوف من فوات الوقت:

إذا خشي الإنسان من أن ينقضي وقت الصلاة وهو يبحث عن الماء، جاز له التيمم حتى لا تفوته الصلاة.

‌ب. المرض الذي يُخشى معه الضرر:

كأن يكون الشخص مريضًا ويخشى أن يزيد مرضه باستعمال الماء، أو أن يتأخر برؤه.

‌ج. وجود ماء لا يكفي للطهارة:

إذا كان الماء الموجود لا يكفي للوضوء أو الغسل، وجب حفظه للشرب أو الاستعمال الضروري، وجاز التيمم بدلًا عنه.

رابعًا: أركان التيمم عند المالكية

حدد المالكية أركان التيمم بثلاثة:

1. النية: وهي شرط وركن في آنٍ واحد.

2. مسح الوجه واليدين: على الترتيب الشرعي.

3. الضرب على الصعيد الطيب: أي ضربة واحدة تمس الوجه واليدين، ولا يُشترط الضرب مرتين عندهم.

خامسًا: كيفية التيمم عند المالكية

1. ينوي التيمم بقلبه استباحة الصلاة أو الطواف.

2. يضرب يديه ضربة واحدة على الصعيد الطيب (تراب أو ما في معناه).

3. يمسح وجهه بيديه مع إيصال الغبار إلى كل المواضع الظاهرة من الوجه.

4. يمسح يديه إلى الكوعين، مع دلكهما وتقديم اليمنى على اليسرى.

سادسًا: الحالات التي لا يصح فيها التيمم

• استعمال غير الصعيد الطيب: كأن يتيمم برمل نجس أو بتراب مختلط بماء نجس.

• التيمم قبل دخول الوقت: فلا يصح التيمم قبل دخول وقت الصلاة.

• التيمم مع وجود الماء والقدرة على استعماله: ما لم توجد رخصة شرعية.

• التيمم لرفع الحدث: لأن التيمم لا يرفع الحدث وإنما يبيح فقط العبادة.

سابعًا: مبطلات التيمم عند المالكية

يبطل التيمم بأحد الأسباب التالية:

ثامنًا: مقارنة بين شروط التيمم والوضوء

تاسعًا: التيمم في المذهب المالكي مقارنة بباقي المذاهب

• الحنفية: يجيزون التيمم قبل الوقت، ولا يشترطون الترتيب.

• الشافعية: يشترطون نية الفرضية بالتيمم، ويشترطون الترتيب والموالاة.

• الحنابلة: يوافقون المالكية في الترتيب والموالاة، ولكن يجيزون نية التيمم قبل الوقت عند الحاجة.

عاشرًا: التيمم للنجاسة الكبرى (الغسل)

يجوز التيمم بدلًا عن الغسل عند المالكية إذا وجد عذر شرعي، مثل:

• عدم وجود الماء الكافي للغسل.

• الخوف من الضرر من استعمال الماء (برد شديد، مرض جلدي، إلخ).

• انقطاع الماء في مكان لا يُرجى فيه وجوده قريبًا.

في هذه الحالة، يُكتفى بالتيمم للصلاة ويصح للحدث الأكبر كذلك، لكن يجب الغسل متى توفر الماء.

خاتمة علمية

لقد وضع المالكية نظامًا فقهيًا متكاملًا لضبط شروط التيمم بما يضمن عدم التوسع في رخصة التيمم بغير حاجة، ويُحافظ على قدسية الطهارة في الإسلام، وذلك استنادًا إلى الأدلة النقلية والفقهية. ويتبين من خلال الشروط والتفصيلات الدقيقة أن التيمم ليس مجرد بديل للماء، بل عبادة قائمة بذاتها لها شروطها وخصائصها، تتطلب علماً وفقهًا ودقة في التطبيق، خصوصًا في زمن تتعدد فيه الحاجات وتتشابك فيه الأحوال الطبية والاجتماعية والبيئية.

المراجع:

• الإمام خليل بن إسحاق، مختصر خليل في فقه المالكية، بشرح الدردير.

• الإمام الدسوقي، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير.